ينظر الى غسق السماء من فوق تله العالي خارج حدود القريه الصغيره بعين أنطبعت بحدقاتها أثارالاشعه الذهبيه وما تنجبه من ظلال رماديه أن صافحت بعض الموجودات في طريقها ...
لوهله تتقلب في ذهنه امواج الذكريات والتي لم تخرج يوما عن نطاق تله العال و القريه الصغيره و التي ما يلبث ان يقطعها بحسم ثم يهرول في سرعه ... فلقد تأخر اليوم ايما تأخر .. و اللحظات في مثل هذه الأوقات لاتوصف بأقل من انها فاصله قاطعه ..
لحظات فارقه هي تلك اللحظات كما لحظات عمره كلها والتي لا يخلوا يوما منها من هذه اللحظات المثيرة ..
و لعظم المسؤليه تتسارع خطاه ومعها دقات قلبه ... لكم انهكت سنوات العمر هذا القلب ذي الخمسة وخمسون عاما ..
يركض بجوار البيوت الساكنه و الأرواح التى تحلت بالصمت واتشحت بالهدوء ... هو يدرك سر هذا الهدوء و هذا السكون ..
أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة و الترقب الذي يسبق المعركة ...
هاهو يقترب .. ليس من سلالات الفرسان أو من أصحاب القامات الفارهه القوية ...
ليس من الساسه ولا رجال البلاط ..
لكن لولا ندائه ولولاه فقط لما جرؤ أحدا من الناس ..أي احد على كسر حاجز الارتقاب و تخطى حدود الصبر ...
يمر من جوارهم ... يعرفه الناس جيدا و ينتظرونه في هذا الوقت بالذات دون عن أي وقت أخر ..
تتحدث نظرات البعض إليه أن أسرع الخطى وجد المسير ....
ينظر إلى سيقانه النحيلة بأمل وعزم فلا تجيبه إلا بمزيد من السعي والاستجابة ولا يتوقف عند ذلك بل يرفع طرف لباسه العريق و يضعه بين أسنانه بعزم في مشهد يذكرك بإناث القطط .. هي تحرص على سلامة صغارها كحرصه على ألا يعيقه شيئا ..
يقف أمام ذلك الباب الخشبي الضخم لبرهة ثم يدفعه ولا يراعي طقطقه الباب الهرم بالا .. فهي لا شك ترحيب ألفه كما ألفه الباب كما أن عظامه ترد التحيه بمثلها ..
يدخل البناء العتيق ...
تتألم أقدامه من أثر البوص الذي تشابكت جدائله لتفترش الأرض ...
ولكن ليس بسبب البوص بل هي حصيات التل ...
لا بل هي فظاظة الطريق الحجري..
لا يدري ما هو مصدر الألم .. لا يدرك إلا شيء واحد مهمته الخطيرة
يقتبل طرف البناء ذا البرج العالي ...
يمتطي ظهر السلالم المضفرة حتى يستوي على ظهر البرج ... يشحذ همته وعصارة قوته و يجمعها في نقطه واحده ...
في حلقه النحيل ..
ثم يعطي إشارة البدء الرخيمة بقوة تتعجب من ان تخرج من هذا الجسد الهزيل ... تلك الإشارة التي ورثها عن أجداده منذ ما يزيد عن الألف عام ..
كم يحب هذه اللحظه بشده و بشغف .. أنها الحظه التى ينفصل بها عن جسده النحيل الضعيف وعن هذه الارض ليحلق في الهواء النقي و تعانق روحه اخر أشعه الشمس المتعبه من عناء السفر ..
ينظر إلى مدينه الأشباح من فوق ظهر البرج و يسمع من وراء الجدران ذلك الصليل المدوي الذي يشبه صليل السيوف .. وذلك النزاع الودود و الضحكات الفرحة و تقارع الكوؤس ..
ينسى وحدته و يبتسم في ود و يبدأ فطره ببضع تمرات ...